أهلاً رفاق القلم : ارتبك البعض لموقفى من مشروع كتاب المئة تدوينة سواء انسحابى المبكر أو لغتى التى وجدها لاذعة وناقدة وحيناً متعالية مغرورة !
والحق أقول لكم ذاك محض خيال .. فأنا قلمى متكبر بمبادئه (بمعنى أنه لايخضع إلا للرقابة الأدبية وماسواها لايعنينى )
وليس مغروراً وثمة فارق كبير بينهما لو يعلمون .
عن فلسفتى للقصة سأحدثكم وهذا حديث جد خطير لمن أراد أن يدرك حقيقة من أهم حقائق الأدب ، فقد كثر المتفيهقون والنسباء غير الأصلاء بهذا الأمر وجعلوا من القصة صنعة وما هى بصنعة وجعلوا منها حرفة وما هى بحرفة فجاء بغثاء السيل وزبد البحر وذهبت أقلامهم أدراج الرياح وذهبت أحرفهم جفاءً وتساقطت أفكارهم كأوراق الخريف تحت أقدام الرياح لايذكرهم الذاكرون ولاتترحم عليهم العقول .
إن الأدب كما أراهُ أنا : هو تقديم ماهو معروف بطريقة غير معروفة
ماذا أريد أن أقول ؟
إنك تستطيع أن تقرأ مئات القصص وعشرات الروايات ولاينطبع منها بوجدانك شيء لماذا ؟
لأن القصة المسرودة وإن حملت بين طياتها البكاء المرير والألم الضارب فإن هذا لن يجعلها بعيدة عن يد النسيان وذاك لأن الواقع بما فيه من حسرات وما يغص به من خيبات ومآسى كفيل بأن تمحو يده ماسطر الخيال من ألم !
كيف تخلدون أنفسكم فيما تسطرون ؟
إنكم لن تنالوا هذا حتى تضربوا صفحاً عن فكرة اللغة المميزة أو الحبكة المحكمة أو الواقع المحتدم فى السطور لأن هذا ليس غاية الأدب فذاك مبثوث فى دواوين التاريخ ومنقول فوق ظهر المقالات ومحمول فى بواطن الدراسات الإجتماعية
إنما الأدب هو الخيال البريء الذى لايتقيد بقيد ولايقف عند حد دون قانون محدد وقواعد موضوعة سلفاً بل هو ذاك الانسياب السارح وذلك السيلان السائح بغير مقياس ودون إيقاف ، وأنا هنا لاأتحدث عن الشعر والشاعرية بل عن الغوص وفن الغرق
نعم أيها الزاعم نفسك أديباً وأديبة إن التحدى الذى ينتظرك هو أن تلقى بنفسك فى لجة الإنسان لتستخرج ما لم يعرفه قبل إنس ولاجان
وذاك بإخراج المسكوت عنه فى خوالج النفس ولواعج الروح ، دورك هو إستخراج رائحة الأنين ، عرق الانين ، ملمس الأنين ، وليس صوت الأنين !! فصوت الأنين معلوم لكل أحد ولن يكون لك فضل فى بعث من هو حىٌ أصلا !
الأدب يازاعم الأدب ليس أن تحكى لى عن دموع أرملة وعن حشرجات نحيبها وعن عشق بعلها فذاك لعمرى ضرب من ضروب السذاجة لأنه معلوم للغر قبل الحكيم !
إنما دورك أن تخبرنى بم توشوش به الأرملة وسادتها عند النوم ، تخبرنى كيف تضطرب نفسها عند سماع مغازلة رجل وكيف ترتج بين دفتى الوفاء والشوق لأنثاها المثخنة بجرح وحدتها ، أن ترسم لى صورتها وهى تستحم وتصف لى كيف تداعب خيوط الماء بين نهديها تارة حين تتذكر مس الزوج الراحل ومرة حين تغافلها أنثاها بإشتياق الرجل المجهول !
دورك أيها الزاعم نفسك أديباً ليس أن تحكى لى قصة حب هوت ، ولا قصة وطنٍ بدت ، ولاحكاية حنطور تختلس فيها فتاة قبلة بفتاها فى غفلة من السائق !
بل دورك أن تصف لى ماقبل الشوق وما بعد الفعل وبينهما تجعل الأجساد مرايا أرواح تتجلى عليها صورة الإنسان الأول
أنا أديب الإنسان .
جعلت نفسى وقفاً على كل هناته وضعفه وخيبته ومجده وتألهه فى ساعة غيبة رقيب الخوف ووازع العبودية
أنا أديب الإنسان عارياً وباكياً ونازفاً وراقصاً
غضبت حين حكم بعضهم على قلمى فاستبعدوا ماخطت روحى ، نعم غضبت .
ليس لأنى من حلبة صراعهم الصغير خرجت لكن لأنهم لم يدركوا سر الأدب ثم جعلوا أنفسهم قضاة فى ساح عدالته !!
أنا حين أكتب ترتعش يداى وتصيبنى رعدة مرهقة تهتز لها أوصالى واكتب بسرعة الضؤ لشد ما اصارع مايوحى إلىّ وأسارعه قبل أن ينفلت زمام الحرف عن روحى ، متقلداً روح إنسان سقط من فردوسه وحيداً شريداً فأنظر بعين من ترى من قدامها كما ترى من خلفها ، بعين من يدرك لوعة المصير ويعلم أين تختبيء الأسرار المذلة والخفايا المهينة فإستخرجها بضاعة رائجة للعيون منادياً على بضاعتى بصوت تاجر خبير : تلك بضاعتنا فلترونا بضاعتكم ، ذاك هو الإنسان
أنا أجرى عملية جراحية دون أن أرتدى قفازاً واقياً لبصمة الأصبع ولا كمامة حاجبة لزفرة الأنفاس ، ودون أن أضع مخدراً لذاك المسجى أمامى ، بل أقطع شرايينه واستخرج قلبه واضع روحه فى قارورة وأنا أرى اعضاءً تهتز تحت مشرطى كاهتزاز عصفور تسافر السكين فيه ، فأبكى لبكاء بطل أكتبه وأنزف لنزف عاشقة اخلقها فوق السطور .!
تصدر الأدعياء المرقة من قوس الأدب الساقطون من عين القلم الغارقون فى محيط البلادة .. تصدروا للحكم على قلمى زاعمين أننى مسرفٌ فى لغة الجسد مغرق فى شهوانية الحرف !
نعم أقولها لهم أنا ذاك الفرس البرّى الجموح هيهات هيهات أن تنام أسرجتكم فوق ظهرى أو يعانق لجامكم عنقى
أنا ذاك الجامح فى الحياة أعيشها بفلسفة صعلوك ينهل منها غير آبهٍ لنهاية تنتظره ولامتهيباً لراصدٍ يترصده ، بل أطلق العنان لقلمى كما كان يطلق الشنفرى العنان لساقيه فيسبق الريح ، أنا من "تأبط شرا" وأنا من تأبط خيراً أدخن كأنما سجائرى ماء يطفيء ظمأ من ضل فى الصحراء مذ ولدته أمه ، وإذا عشقت امرأة شربت نخاع العظم منها ، وإذا ثرتُ حملت الروح والجسد وألقيتها فى وجه غاصبى غير مبالٍ بموت وغير متراجع أمام رصاص ، أنا ذاك الذى يبكى لمعصيته كآدم المسكين إذ هوى ، وأنا ذاك الذى يرتدُ قوياً كجلمود صخرٍ حطه السيل من علِ كما قال صعلوكٌ قديم ، وأنا ذاك الذى يتسربل بضعف طفل حين يضربه القدر فيندسُ بين ركبتيه غير قادرٍ على مواجهة الوجود !
أنا كل هذى المتناققضات وقد استوت رجلاً حين استوى قلماً
القلم هو ذاتى التى أدركت أن الأدب دربها وعلمت أن سر الأدب يقف باسماً لمن نزلوا البحر عرايا وجابهوا المطر حفاة
الأدب ياسادة أن تقول لنا ما الإنسان !
فإن لم تفعلوا فسموا أنفسكم ماشئتم غير أنكم أبداً لن تكونوا من ابناء الدواة اولئك الذين ولادتهم إعجاز وكلهم يسوع المسيح جاءوا هذه الدنيا بغير أب ، إنما ينسبون للدواة ووحدها الدواة
فإن لم تفعل هذا فدع عنك الكتابة لستَ منها ولو لطخت وجهكَ بالمدادِ