الحديث فى شجون هذا الوطن وخيباته قدرٌ أفر منه فيطاردنى ولذا لابأس من استنشاق قليل من الغبار .
أهلا رفاق القلم :
حديثى اليوم يحتاج إلى كثير من التركيز لفهم بعض مايلتبس فى الأذهان وما يختلط من المصطلحات والتصورات والمفاهيم مما يؤدى إلى كارثة على أرض الواقع نتيجة لذاك الوهم الذى سماه ( فرنسيس بيكون) صنم اللغة .. نعم فاللغة أحيانا تصبح وثناً تخضع له العقول نتيجة للتلاعب بالكلمات والمفاهيم والآن دعونا نبدأ سريعا فيما أريد إيضاحه ، لكن بداية وحتى لايسيء أحد فهم تقدمتى بأن المقال موجه بأنى اطلقت الوصف على الجميع لا .. أنا اتكلم عن الإشتغالاتية الملعبين (بضم الميم) الراقصين الهجاصين وليس للقراء الكرام .
أولا /الأغلبية البرلمانية حالة وليست قاعدة
______________________________
هذا واحد من أخطر المفاهيم الملتبسة ، فالكثيرون وخاصة من ذوى العمائم واللحى فى برلماننا الموقر يحسب أن الاغلبية التى جاءت بها إنتخابات شخصياً أقر بنزاهتها يحسبونها شيك على بياض أبدى الصلاحية .. وهذا غباء سياسى يصل حد السذاجة المفرطة !
لأن من لديه أبجديات الفهم السياسى يدرك أن الغالبية متغيرة المزاج والهوى بشكل يمثل فيه التغير هو القاعدة وليس الثبات .
ويمكن الإستشهاد بالديمقراطيات الكبرى فى العالم فمثلاً فى أمريكا يأتى الجمهوريون لأكثر من مرة بفوز ساحق فى الكونجرس والرئاسة ثم ينهزمون كأنهم لم يكونوا وياتى الديمقراطيون لثمانى سنوات وعلى ذات المنوال يتم التغير فى الفلسفة السياسة فى فرنسا مثلاً بالتناوب بين اليمين والوسط
وهكذا فى مصر نتيجة لأسباب دراماتيكية يعرفها الجميع بوصف أن الإسلاميين كانوا هم أكثر الطبقات قهراً وحصاراً وقد عانوا الذل والهوان والأضطهاد تحت حكم العسكر فلما قامت الثورة التى لم يكن لهم فيها ناقة ولاجمل أراد الشعب العاطفى أن يرد لهم الجميل ويعوضهم عن الظلم الذى وقع عليهم كما لايمكن إهمال ثقة الشعب المصرى بكل مايحمل سيماء الدين وبهاءه فجاءت النتيجة بفوز ساحق للإخوان أصحاب الباع الطويل فى عالم السياسة وهذا متوقع لكن المفاجأة كان فوز السلفيين الذين لازالوا يرتدون (بامبرز السياسة) ولازالوا يحبون فى عالمها كدليل على صدق رؤيتى بنظرية الطبطبة والتعويض لمن وقع عليهم الظلم .
إلى هنا لاتوجد مشكلة ، لكن المشكلة الحقيقية تتمثل فى ظن الإسلاميين بأن وجودهم فى البرلمان حكم بغير إستئناف وهذا خطأ سياسى كبير لأن الشعب المصرى شعب يحب الدين لكنه ليس متدين (وكاتب هذا المقال هو خير مثال لهذا المعنى فأنا أبعد ما أكون عن التدين لكننى مستعد أن ابذل دمى فى سبيل الإسلام وأن أحز عنق من يمسه بسوء) .. أقول هذا الشعب اختار الإسلاميين للأسباب التى ذكرتها آنفاً لكن إذا فشل الإسلاميون فى إدارة البلاد إقتصادياً وأجتماعياً اعتها لن تتردد الجماهير فى إختيار اليساريين مثلاً كبديل عنهم إذا حدث إخفاق فى الإنحياز للطبقة الفقيرة لأن اليساريين هم خير من ينحاز لهؤلاء أو مثلا حدثت ردة ثقافية وأنهيار للتعليم ساعتها سيصبح الليبراليون هم الأغلبية البرلمانية للنهضة بالأمة فإذا حدثت إنتكاسة أخلاقية وشاع الفجور فى المجتمع ساعتها يعود الإسلاميون للبرلمان بوصفهم حماة الفضيلة والأخلاق .
ماذا أريد أن اقول ؟
أريد أن اقول أن الأغلبية البرلمانية لاتمثل قاعدة ثابتة بل تتغير بتغير الظرف التاريخى والإجتماعى وعليه نصل إلى الجريمة التى تحدث اليوم !!
فالبرلمان فهم خطأ أنهم يمثلون الشعب كاختيار دائم وعليه فإنهم يضعون الدستور وفقاً لتوجههم الفكرى والأيديولجى فيأتى دستوراً أحادى التوجه لايراعى إلا الأغلبية الظرفية وليس الأغلبية الدائمة وهنا تحدث الكارثة
لأن الإنتخابات حين تأتى بتيار مختلف فإنه ووفقاً لذات القاعدة يتغير الدستور كل خمس سنوات بتغير البرلمان
ولذلك كان يجب على هؤلاء أن يفهموا أن الدستور لابد أن يكون تمثيلاً حقيقياً لكل فئات الشعب لأن الدستور دائم والقانون متغير
الدستور دائم والبرلمان متغير
وإلا فعليهم أن يستعدوا من اليوم لقيادة فترة إستبدادية جديدة لسوق الامة عسفاً على فكرهم وطريقتهم كحزب وطنى جديد
وطبعا ساعتها لن نتردد نحن الثوار الأوائل فى جرهم من لحاهم ولو كانت تنضح بالوضوء لتحرير الامة مرة أخرى
وليس الذين أمنوا قبل الثورة وقاتلوا كمن آمن بعدها وحتى لم يقاتل ...
عفواً نحن المهاجرون وانتم الطلقاء .
ثانيا/ الأغلبية مسلمة أم إسلامية ؟
___________________________
مفهوم آخر أشد خطورة من سابقه ، وقد إختلط فى ذهن الأغلبية البرلمانية ورحم الله الإمام الجوزى حين قال :
لاتغرنك اللحى والصور ... فتسعة أعشار ماترى بقــر
إن الأغلبية (الإسلامية!) فى البرلمان ظنت بفوزها الساحق فى الإنتخابات أن أغلبية الشعب المصرى توصف بأنها أغلبية إسلامية!
وهذا خطأ جِدُ شنيع !!
لأن الغالبية مسلمة بوصف الإسلام دينها وليس بوصف التفكير الإسلامى كأيديولوجية هو عقيدتها !!
بدليل أن تقريباً كل العالمانيين الكبار والليبراليين بكافة توجهاتهم من الليبرالية المحلية كعمرو حمزاوى أو الليبرالية بمفهومها الغربى كحسن حنفى استاذ الفلسفة هم من المسلمين وأن العوام الذين لاينتهجون أى توجه هم مسلمون ووسط هولاء تأتى الأقلية إسلامية التوجه الفكرى ممثلة فى التدين الظاهرى باللحية والجلباب والمسواك
عفواً أنا ملتحى وهاأنا ذا أجلد فكركم المعتل وحتى صديقى مينا جرجس ملتحى فهل نحن ذوو اللحى نمثل الأغلبية هل المنتقبات هم الأغلبية إن ثلثى نساء مصر يرتدين الحجاب الذى لاعلاقة له أصلاً بمعنى الحجاب الشرعى فترى الفتييات يرتيدن البنطال الضيق والصدور بارزات والمساحيق على كل الوجوه ولست هنا أناقش الفرق بين الحجاب الشرعى والحجاب اللامؤاخذة !
إنما أقدم الدليل على أن الأغلبية مسلمة وليست إسلامية .
ماذا أريد أن أقول ؟
أريد أن أقول إن إختيار اللجنة التأسيسية لوضع الدستور تمت بشكل أحمق ومستفز حيث يمثل أعضاءها غالبية كاسحة من الإسلاميين توجهاً وفكراً وتلك النسبة باطلة وغير معبرة عن طبيعة النسيج المصرى حيث أن نسبة الإسلاميين كتوجه فكرى لاتزيد بأى حال عن تعداد نصارى مصر وهذا رقم متفاءل حتى .. بوصفى لازلت أشعر بالحنين للفكر الإسلامى أما الغالبية الكاسحة فهى مسلمة متعددة التوجهات .. وتلك هى الخطيئة المستبدة التى وقع فيها أغبياء البرلمان ولذلك فإنى أحترم إنسحاب أكثر من عشرين عضو وهيئة من اللجنة المختلة الموازين
ثالثاً / أغلبية الطغيان
__________________
دعونى أحدثكم أخيراً بمفهوم إسلامى لالبس فيه ، إن نظام الحكم فى الإسلام يقوم بالأساس على النخبة وليس على الدهماء من العوام
دون شعارات كاذبة ملفقة كالقول بإحتقار الشعب أو ممارسة وصاية عليه راجعوا (السياسة الشرعية) لإبن تيمية راجعوا كل ما خطته يد العلماء فى نظام الحكم ستجدون قاعدة ثابتة وهى ( أهل الحل والعقد) وهؤلاء هم النخبة والصفوة التى تقوم بتحديد نظام الحكم وطبيعته أما العوام فليس لهم إلا التصويت على إختياراتهم لأن العوام متقلبون بطبيعتهم الأقرب للبهيمية التى تقوم على جعل الطعام والشراب أولوية قصوى ولذا كان لابد من قيادة الحكماء للأمم وانظر قول الله ( وإن تتبع أكثر من فى الأرض يضلوك عن سبيل الله)
وإن شئت تنظيراً سياسياً فراجع أفكار( افلاطون) فى كتابه : الجمهورية
وكل السياسيين من بعده سواء (ديفيد هيوم) أو (جان جاك روسو) أو (ميكيافيلى)
جميعهم ومن جاء بعدهم حددوا أصناف الحكم وجعلوا أبشعها وأخطرها وأشدها قبحاً هو النظام ( الدبماجوجية) أو المسمى بحكومة أغلبيةالطغيان .. وهو النظام الذى تقوده هوى الجماهير حيث يظهر الإستبداد فى أشد صوره قتاماً ولنا فى النظام الشيوعى فى روسيا والصين خير دليل وكذلك فى مصر الناصرية
ولذا فإن إرتكان الأغلبية البرلمانية للدعم الجماهيرى الأعمى الغير ممنهج هو تدشين مؤصل للإستبداد والطغيان الذى تحميه أغلبية جاهلة وتقوم بسحق أهل الحكمة والخبرة من الإتجاهات المختلفة
أخيرا
___________
أكرر سؤلاً تقدمت به من قبل ولم أحصل له على جواب من التيارات الإسلامية بإختلاف مشاربها
سألته لصديق الجامعة والقيادى الإخوانى ( محمد فؤاد) سألته للشاب السلفى المثقف والصديق العزيز (وجدان العلى ) مدير تحرير برنامج مصر الجديدة بقناة الناس الذى يقدمه الكائن الحى وحيد الخلية المسمى (خالد عبد الله) ولا زلت اردده ولم ألق جواب .
هل يجوز الإستفتاء على الله ؟
إذا وضع الإسلاميون دستوراً إسلاميا خالصاً فسيطرحونه للإستفتاء من الشعب فهل يحق للشعب أن يحكم على حكم الله
ألم يقل ربنا ( ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم )
فلماذا تخالفون حكم الله ؟ أليس هذا هو الكفر البواح الذى علمتمونى إياه ياعلمائنا طوال ثلاثة وثلاثين سنة هى تعداد عمرى البئيس
ألم يقل شيخ السلفية (محمد حسين يعقوب )نصاً وهذه شهادة أقف بها أمام الله سمعتها بأذنى رأسى قال لأحد رجال الإخوان عندما دخل البرلمان فى نهاية التسعينات لماذا دخلت المجلس ؟ فقال الرجل لأنكر المنكر فرد الشيخ (ياراجل تكفر عشان تنكر ) !!
ولماذا يكفر يامولانا .. لأن المجلس يشرع ويستفتى على تشريعه وهذا حق لله وحده بغير استفتاء
فلماذا ستطرحون شرع الله لأهواء الجماهير وتضعون ربكم فى صندوق يُستفتى عليه .. ؟!!
أنتم لاتفقهون ولاتعلمون ولاتصلحون أنتم لاتريدون إلا الكراسى وجعلتم الله ودينه طريقاً لغايتكم
كم أحتقركم ملأ قلبى
..
الملح يقوم بحماية الطعام من الفساد والعلماء هم الملح الذى يحمى الأمة من الفساد ولذا أنهى حديثى بهذا البيت
ياعلمائنا ياملح البلد .. مايـُـصلحُ الملحَ إذا الملحُ فسد